فتح خيبر
قابل اليهود دين الإسلام من أول يوم بالعداء، وأجمعوا على حربه، فجمعوا الأحزاب ولكن الله أخزاهم وأبطل مسعاهم، فما استطاعوا اقتحام المدينة، وجنت قريظة على نفسها بسبب الغدر والخيانة، ولم يستفد يهود خيبر من هذا الدرس ، بل شرعوا يصلون حبالهم بغطفان والأعراب من حولهم ليؤلفوا جبهة أخرى ضد المسلمين، لكن المسلمين كانوا على أهبة الاستعداد ، فما إن عادوا من عمرة الحديبية حتى توجهوا إلى خبير لكسر شوكة اليهود بها، فما هو خبر هذه الوقعة؟ هذا ماسنقف عليه في الأسطر التالية : تقع خيبر شمال المدينة المنورة بحوالي 165 كيلاً , وهي منطقة زراعية , ولم يظهر يهود خيبر العداء للمسلمين حتى نزل فيهم زعماء بني النضير الذين سخطوا بسبب إجلائهم عن ديارهم بالمدينة . وقد تزعم بنو النضير يهود خيبر , وجرّوهم للانتقام من المسلمين . وكان أول تحرك قوي ما حدث في غزوة الأحزاب حيث كان لخيبر وعلى رأسها زعماء بني النضير دور كبير في حشد الأحزاب ضد المسلمين , وتسخير أموالهم في ذلك , ثم سعيهم الناجح في إقناع بني قريظة بالغدر والتعاون مع الأحزاب . فلما جرى صلح الحديبية بين المسلمين وقريش , تفرغ المسلمون لفتح خيبر التي صارت مصدر خطر كبير عليهم . وفي محرم من السنة السابعة توجّه المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر , وكانوا يكبرون ويهللون , مما يوضح الروح الإيمانية المهيمنة على الجيش الاسلامي , ودوافعه الإيمانية القوية , ومعنوياته القتالية العالية , وهو يتوجّه نحو قلاع وحصون ملئت رجالاً وسلاحاً ومؤونة ومتاعاً . وقد وصل المسلمون إلى خيبر قبل انبلاج الفجر حيث صلوا الفجر قربها , ثم هاجموها بعد أن بزغت الشمس , وقد فوجيء الفلاحون من يهود بوجود المسلمين فقالوا : محمد والخميس !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر خربت خيبر , إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) . ولجأ اليهود إلى حصونهم المنيعة , و قاوموا مقاومة عنيفة , وحمل راية المسلمين لليومين الأولين أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم حملها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في اليوم الثالث , فتم الفتح على يديه لحصن "ناعم". ثم تهاوت بقية الحصون في الأيام التالية وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه أن يدعو يهود خيبر إلى الإسلام وما يجب عليهم من حق الله ؛ وقال له : ( فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النّعم ) ، مما يدل على شدة حرصه على هدايتهم . وقد بلغ عدد شهداء المسلمين عشرين رجلاً , وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون رجلاً وهذا من خذلان الله تعالى ليهود , فإن قتلاهم وهم يدافعون في حصون منيعة اكثر بكثير من شهداء المسلمين المهاجمين في ساحات مكشوفة !! وقد شهد أعرابي فتح خيبر , فقسم له النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة وهو غائب , فلما حضر أعطوه حصته , فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما على هذا اتبعتك , ولكني اتبعتك على أن أرمى ها هنا - وأشار الى حلقه - بسهم فأدخل الجنة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن تصدق الله يصدقك) . فلبثوا قليلاً , ثم نهضوا في قتال العدو , فأتي به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار , فكفّنه النبي صلى الله عليه وسلم بجبّته , وصلّى عليه , ودعا له , فكان مما قال : ( اللهم هذا عبدك , خرج مهاجراً في سبيلك , فقتل شهيداً وأنا عليه شهيد ) وقد أبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فيها على أن يعملوا في زراعتها وينفقوا عليها من أموالهم , ولهم نصف ثمارها , على أن للمسلمين حق إخراجهم منها متى أرادوا , فمكثوا فيها حتى وقعت منهم أحداث عدائية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجلاهم من خيبر ضمن خطة عامة لإجلاء غير المسلمين من جزيرة العرب